ربيع دهام. مثلك العليا

تُقبل على الحياة بمثلِكَ العليا.
 بمبادئك الإنسانية.
 بأخلاقك السامية. 
بأحلامك النقيّة كجدول ماءٍ عذبٍ. 
أحلامٌ نخرتْ صخورَ الأرض. شقّت طريقها نحو السماء، 
وقالت للأفواه العطشى: " هلمّي اشربي".
تُقبل على الحياةِ بقلبك المعطاء.
 بصدرك الدافئ.
 بنيّتك التي ليس في سلّتها الخضراء سوى ورود الخير والحق والجمال.
وتكوّر مبادئك في مشعلٍ من نور وتمشي. 
وتنير بمشعلك دروبَ الآخرين وتمشي. 
وتكوّر إنسانيّتك بين ذراعيك.
 تهدهدها كالطفل في يديك.
وتسير على سنان الشوكِ والألمِ والصعابِ.
ورغم الشوكِ والألمِ والصعابِ ... تمشي.
ويراقبك من بعيدٍ قطّاع الطرق. 
شُذّاذ الآفاق. 
حاملو ستائر العتمةِ.
أهالي المصالح الشخصية والغايات الصغيرة. 
مالكو النفوس والصدور الضيّقة.
يتربّصون بك على مفترق كل طريق. على تخوم كل تلة.
على انحدار كل وادي.  على شاطئ كل بحر.
على ميناء كل مرفأ. على ضفاف كل نهر. 
وعلى مشارف كل نهضة.
يضعون العراقيل في طريقك. يغرسون العصي في خاصرتك.
يرشقونك بحجرٍ من صوّان الخيبة. تصيب الخيبةَ مبدأً من مبادئكَ. 
يترنّح المبدأ ويكاد يسقط. 
تمد يدك. تلتقطه. تعيده إلى ذراعيك. تتمسّك به. 
تحضنه. تشدّ عليه. تُقبّله.
قطّاع الطرق يشاهدونك من بعيد.
يدركون معنى الذي فعلتَه. يتهامسون فيما بينهم.
أولهم يتبجّح: 
" أرأيتم؟ هو لا يرد الصاع، لا صاعاً ولا صاعين. همّه الأوحد الحفاظ على مبادئه. يخاف عليها من السقوط. ألم أقل لكم. هذا المخبول لا ولن ينتقم أبداً".
والثاني يقهقه: " بل إنه جبانٌ، لن يتجرّأ على مهاجمتنا".
ويبحثون في الأرض على حجرٍ آخر من صوّان الخيبة.
يصوّبونه عليك.  يرشقونك به.
تصيبُ الخيبة مبدأً ثانٍ من مبادئك. 
يسقط المبدأ على الأرض. يتكسرّ.
تنحني. تغضب. تدمع. تمد أصابعك العشرة. وتتمنى لو كان لديك عشرين. تلملم أوصال مبدئك المتناثرة على الأرض. 
تعيد حياكتها بجهدك وعرقك وتعب أيامك، وعرقِ أحلامك. 
تحضن مبدأك.تشمّه. وتضمّه إلى صدرك من جديد.
ثم تنظر في عيونِ الماكرين. آهٍ من عيون الماكرين. 
تسأل نفسك : " تُرى ماذا فعلتُ لهم كي يعاملوني هكذا؟ 
ماذا اقترفت؟ بماذا أسأت؟ 
أنا الذي ما حملتُ لهم بيدي إلا هديّة،   
أيبادلونني بأذيّة؟".
وتدير ظهرك المتعب، ومن دون أي كلام أو تذمّر، تكمل طريقك وتمشي.
يصرخ أحدهم: " مهما فعلنا به. مهما أذيناه، فهذا الرجل لن يؤذينا".
ويصيح الآخر : " بل لن يتجرأ على ذلك إطلاقاً".
ويحملون حجراً آخر ويضربونك به. 
وتصيب الحجارة كتفك، صدرَك، وتكمل طريقها إلى قلبِك.
تثقب عضلته، تحدث كوّةً كبرى فيه. 
ويتساقط الناسُ من قلبك، عبر الكوّة، ويترنحون على قارعة 
الطريق.
ناسٌ كثيرون. كبار، صغار، أولاد، من كل الأوطان، والأديان، والجنسيات.
يشاهد قطاع الطرق النفوس المتساقطة من فؤادك.
فجأة يرون أنفسهم.  يرون أنفسهم وقد كانوا في قلبك، وسقطوا.
يصرخ أحدهم : " مهلاً! ... نحن أيضاً كنّا في قلبه".
ويجيب آخرٌ : " صحيح. للتو قد رأيت نفسي أسقط مع الآخرين".
لثانية. لثانيتين. يلوذ قطّاع الطرق بالصمت.
يراقبونك بعيد. بوجهك المقلوب. بقلبك المثقوب.
نشاهدونك تنحني مرّة أخرى.
تمد أصابعك العشرة، وتتمنى لو كانت عشرين، وتلملم الناس المتساقطة.
ورغم الجرحِ والألمِ، وتكرار سهام الخيبات، تعيدهم إلى قلبك. 
حتى قطاع الطريق تعيدهم إلى قلبك.
هؤلاء الذين هاجموك. 
هؤلاء الذين تربّصوا بك. 
هؤلاء الذين غدروا بك وخذلوك. 
"ماذا يفعل ذاك المخبول؟" ، يقول أحد قطاع الطرق لصاحبه باستهجان.
" ماذا يفعل؟ ذالك الخبول يعيدنا إلى قلبه"، يجيب صاحبه.
ويلوذون بالصمتِ مرة أخرى. 
يحدقون في وجوه بعضهم بعضاً.
وكصلية صواريخ انطلقت في وقت واحد، بأعلى صوتٍ يقهقون.
ويقولون: " ألم نقل؟ ذاك رجلٌ، مهما فعلنا به، لن يردّ علينا. همّه الأكبر الحفاظ على مبادئه السامية".
وبحركة سريعة خاطفة، يلملمون ما تيسّر من حجارةٍ، يصّوبونها على قلبِي المثقوب ... ويرشقون.

(قصتي مع الحياة / ربيع دهام)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقي. كن حبيبي

علاء بكر. حبيبتي الجميله

ريم بن قاقا. ياعدو الشعوب