د علوي القاضي. جحود

 جحود ؛؛!! 

( وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) 

. بينما كنا منهمكين فى وزن وتقطيع وتعبئة لحوم الأضاحى تمهيدا لتوزيعها 

. إخترق الصفوف شيخ كبير يتلألأ نور الإيمان فى وجهه يبدوا عليه الغنى والثراء 

. أعرب عن نيته فى أن يحظى برعاية بعض أسر الأيتام فرحبت به وكفل  قرابة مائة أسرة رعاية مالية وعلاج وزواج 

. وكان يعطي بسخاء وكرم

. مرت سنوات وانقطعت عني أخباره وذات يوم تلقيت إتصالا من أحد دور المسنين يفيد أن عجوزا يريد الحديث معي فعرفت أن الصوت ليس غريبا

. ذكرني بنفسه وتذكرتُ أول لقائي به قبل سنوات يوم الأضحيه 

. عرفت أنه بدار المسنين فزرته وجلست معه وسألته عن أولاده فأخبرني بولده المهندس العالمي المقيم في أوروبا وابنته المتزوجة المقيمة في القاهرة

. طرق خيالي مدى الثراء الذي هم فيه ولمحت فى وجهه كبر السن فقد إشتعل رأسه شيبا وخط الشيب خطوطه  وضعف البصر وضعف السمع ورق العظم ووحشته وقربه من عتبة الموت وبعد فلذات أكباده عنه والعصا التي لا يقدر أن يمشي إلا بها

. لقد أصبح ضعيفا نحيفا متعبا مهدودا ليس كما عهدته من قبل

. فقد كان يطوف بلدتنا بأكملها بحثا عن أرملة يشتري لها الطعام ويؤنس أيتامها

. لقد كان آخر عهده بأولاده قبل عشر سنوات 

. ولذلك قمت بالاتصال عليهم ودعوتهم لزيارة أبيهم فأجابني المهندس : 

* " إن أبينا ثري ولديه من المال ما يكفيه للعيش في دار المسنين دون مشاكل " *

فقلت له ألا تشتاق لأبيك؟! 

فتعذر بانشغاله رغم أنه يزور مصر كل عام

. وسمعت نفس الكلام من إبنته

. وتعللت البنت بأولادها وكثرة مشاغلها

فاستمريت في زؤارته كل أسبوع أسمع حديثه وحكاياته عن أولاده

..وفي كل زيارة يخرج صورهم وهو فى قمة السرور بنجاحهم وتفوقهم رغم عقوقهم ويخبرني عن بذله الغالي والثمين فى تربية أولاده

. وذات يوم حدثني برغبته الشديدة فى زيارة أولاده ليفرح بهم وبأحفادهم ويمتع نظره برؤيتهم قبل الوداع 

. فقد انتابه شعور بأن نهايته قد قربت 

. فاتصلت بأولاده لترتيب أمور سفره إليهم وإستقبالهم له ومعرفة عنواوينهم 

..فكان الرد واحدا وهو :

*الأمور هنا صعبة وعندما نزور القاهرة سوف نراه *

وفي يوم من الأيام الحزينة جاءني إتصال لا أنساه من دار المسنين يبلغني بوفاة العجوز فذهبت سريعا أجر خطاي وأسحب قدماي سحبا وأكاد أن أتعثر في المشي

. ولما وصلت الدار ورأيت العجوز الوحيد الذي مات وهو يتمنى أن ينظر نظرة واحدة لأولاده 

. أو يكونوا عند رأسه في لحظة السكرات ولم يلبوا طلبه ولم يردوا حتى على إتصالاته

. انهارت دموعي وسالت عبراتى ولم أتمالك مشاعري

. ومرت لحظات بلغ بي الهول والفجيعة فيها مبلغا

. فاتصلتُ بإبنه فكان الرد :

* لا أستطيع الحضور ولا داعي لمشقة السفر من أجل هذا الأمر *

. ولما إتصلت بابنته أخبرتني أنها مشغوله مع أولادها وحضورها صعب

. بعد ذلك قمت بتجهيزه ودفنته ومشيت وحيدا في جنازته ولم يشاركنى سوى الأرامل والأيتام فقد كان سخيا معهم وكانوا مخلصين لعطاءه 

. فى حين أنه سخر ماله لتدريس أولاده ليحصلوا على أرقى الشهادات العالمية ورغم ذلك لم يلقوا عليه نظرة الوداع

. كنت لأول مرة أبكي كالطفل على فراق ذلك وتأثرت بنهايته المؤلمه أيما تأثر فقد عاش وحيدا ومات وحيدا

. بعد أسبوع من دفن العجوز حضر الإبن وأخته لدار المسنين للمطالبه بشهادة الوفاة ليبدءا حصر الثروة الطائلة لذلك العجوز الذي كان يعول ألف أسرة من أسر الايتام ليبدأوا فى تقسيم التركة

. يالتلك الشهادة...

. إنها شهادة وفاة القيم 

. إنها شهادة موت الضمير

. إنها شهادة موت الأخلاق والعطف والرحمة ورد الجميل 

. إنها شهادة العقوق وقلة الحياء وموت العاطفة والضمير

. أحقا يكون هذا ؟! 

. لأبناء بلغ بهم العقوق مبلغه وهم أناس يعتقدون أنهم مسلمون 

. يا الله....!! 

. ما كنتُ أظن أني سأبقى حتى أعيش في زمن يستغني فيه الأبناء عن مصدر حنانهم وأمزهم وأمانهم

. لا قيمة لعبادتكم حتى تقرنوا طاعة الله بطاعة الوالدين 

.*وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا*

. يا أيها العاقين طلبكم للجنة بحث عن السراب ولا قيمة له

.*إلزموا رجليهم فثم الجنة*

. إذا ماتت القيم ماتت الروح وشقيت النفس ولاقيمة للحياة وضاع منك شرفك ورجولتك وكل شيء جميل

. أحبابي لقد نشأ جيل في الآونة الأخيرة معلنا التمرد بكل وقاحة على القيم والأخلاق والمبادئ

. أيها الآباء علموا أولادكم البر قبل أن يفلتوا من أيديكم وتلهيهم معالم الحضارة الخادعه الكاذبه

. وشهادة موت القيم سلموها لكل من ينكر جميل والديه

. تحياتى

د/علوى القاضى.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العراقي. كن حبيبي

علاء بكر. حبيبتي الجميله

ريم بن قاقا. ياعدو الشعوب