مصطفي محمد كبار. رجل في سكرة المنفي
رجلٌ في سكرة
المنفى
أجلسُ في البار المشبوه مع
الساقطين
بصحبة جريدتي و علبة
تبغي
أشربُ كأس النبيذ على
طاولتي وحيداً من شدة
الضياع
أتفقدُ عناوين الصحف و لغة
الكتابة
بزمن الهزيمة من ضجر اللحظات
و كآبتها
أبحثُ من بين المفردات القديمة
عن لغزٌ في المقالات المكتوبة
بالجرائد
أحاول أن أسرق من الشعراء
القدامى فكرةٍ ما
ربما أُجددها بطريقتي الخاصة
العبثية
و أدونها في القصيدة شعراً من وحي
الخيال السارق
ربما يقرأها قوافل الراحلين على
طريق السفر
و لتكون القصيدة بنصها الشعوذي
هي صديقتي الوحيدة في سكرتي
بهذا المساء
فالناسُ من حولي كلهم مازالوا
منشغلون
بأشياء ضبابية و اللهو في البار
بلا معنى يستمتعون برقصة النساء
العاريات الساكرات خمراً و
فجوراً
فأخرجُ من الضجيج و الفوضى
التي
بعثرتني حزناً و ضياعاً و تشرداً بكأس
النبيذ الغالي الثمن
ثم أمشي بشارعٍ طويل مظلم
وحيداً برائحة الخمر
و أنا أرتدي معطفي الأسود و قبعتي
على رأسي مثل الخواجات
الأثرياء الأكابر
و في جيبي زجاجة الخمر
الوحيدة تحملني سكرة
فلا فلسٌ بقي معي لأستأجر سيارة
التكسي
كي أعود لزنزانتي لغرفتي الكئيبة و
لأوراقي المبعثرة هناك في حي الأموات
و القرود
فأمشي وحيداً كعادتي
في متاهة الخزلان و الطعن أجرو
ورائي سقوطي و عار
السنين
و أتمايلُ يميناً تارةً و تارةً شمالاً
أتكل على الجدران في المسير
و ركبتاي تكادُ تحملني في
المشي
لا أحدٌ سواي في هذا
الفراغ
السيارات متوقفة و إشارات المرور
تحاكِ ظلها المضيئة
فلا أحدٌ يعكرُ مزاجي الصافي
في الإنكسار هنا
ولا أحدٌ يراقب خطواتي المتأخرة
بركب الخيال
أنا الآن حرٌ في عالم
النسيان
لا حاكمٌ يحكمني بقبضته
الحديدية
ولا من عدو يحتل جسدي في
الأسر
لا أحدٍ سيحاسبني
إن إلتقيتُ بإمرأة حسناء متشردة
مثلي
و إغتصبتها على الرصيف دون أن
أنظر لوجهها الحزين
فلا أحد سيراني إن سجدتُ بخاطرة
على نهدها
ثم إنكسرتُ أمامها خجلاً برجولتي
أطلب منها العفوا و
السماح
فمن سيحاسبني على رزالتي
في كنف الظلام في هذا الفراغ
العاطفي المتمرد
فالشارعُ فارغٌ تماماً من المارة
التافهين المسرعين
فلا شيء يشاركني بكتابةِ
فكرةٍ عنيفة
ضدد جسد إمرأة تسكن شهوتي
بجمالها في المنام
فلا قوانين للسلطة ها هنا
الآن
لتقيدني في لحظات اللقاء
و البكاء
لا يوجد بمخيلتي سوى صورة
الأمس بذكرياتها المتألمة
وبعضٌ من صور الطفولة و برائة
الأيام القديمة
فهناك أشباحٌ تتسلى فرحاً بغياب
البشر في هذا الشارع
الممل
و هناك سرابٌ من عدم تطرزُ
ثوب الغيوم الراحلة
أنا سيد الصدى و ملك السراب
أجودُ بلعنتي منتصراً
بسقوطي
فلا شيء يلوح في الأفق
بمكان ما هنا
فلا شيء سوى بعض القطط
التي تلاحق بعضها بين
الأزقة
و التي تأكلُ من فضالات الطعام
المرميةُ بجانب الطريق بين أكياس
القمامة
و بعض من علب البيبسي الفارغة و
زجاجات الخمر
التي تتدحرجُ بقدمي هنا و هناك
من ثملي
كل المنازل باتت كالتوابيت تقبع
في الصمت و السكون
و الأبواب و النوافذ المحجبة
بستائرها الفاخرة
كلها مغلقة بأقفالٍ من حديد
من خوفها و جبنها
و من خلف تلك الأبواب و النوافذ
هناك أمواتٌ نائمون
يحملون حقائب الأمنيات في زمن
الغبار
فبعض الأحلامِ قصيرة غابرة
لا معنى لها و غير مفهومة للميت
المذلول
و هناك أحلام طويلة جداً تمارس لذتها
القاتلة بفكرة المقتول
تسرقُ قصة شهوةٍ منحرفة من
صحف الخيال
فلا سرٌ مخبأ بثوب المنام في
الرحيل
ولا عناوين للبريد معي لكي أوصلها
لصاحب القصيدة المنسية
فأنا ضائعٌ بسكرتي أمام المرايا
و تائه بغربتي من لعنة
المكان
و لا وقتٌ لي ها هنا
لكي أدققُ فيه بذاتي بهذا الزمن
السريع
لا وقت لي لكي أُفكرُ بأشياء
معتادٌ علي ممارستها من لا
شيء
فالليلُ كئيب بممشاي
و الخطى ثقيلةٌ نحو الأفق
البعيد
السماءُ تراقبني عن كثب
بنجومها المبعثرة و قمرها
الشاردة
فالليلُ ينحني أمام بزوغ
الفجر ندماً و ألماً على
الرحيل
و القمرُ تبكي بدمعة الوداع بموت
الليل و رحيل النجوم في
المغيب
جسدٌ متهالك يتدحرج فوق أرصفة
الغرباء بدمائهِ
من جراحه العميقة و ألم السكاكين
و حلمٌ مقتول يحملُ فوق ظهره
حقائب الرحيل و الهزيمة
للنسيان
شوارعٍ باردة تغتالني بكسرة
الروح و تطعن ظهري بخناجر
الذكريات
و جدران غربتي قاسية جداً بذبحها
تذلني بكسرتي و تقطع
بجسدي
فلا طعمٍ لرائحتها العفنة و لا ظلها
علي تحن و ترحم
فالطريق طويل مازالَ شاحبٌ في
هذا المساء
و الحملُ ثقيلٌ بجسد السكران
الفاشل
الوحدة تدفعني أرقاً نحو
الهلاك
و الثملُ يسلبُ مني راحتي و
هدوئي في الضجر
و أنا مازلتُ ألملم بقايا السقوط و
الهزيمة بدمعتي
من أمام سكرتي بدموع
الأحزان
فالليلُ غدا في الرحيل هارباً بحاجة
الخمر
و أنا مازلتُ أتمايلُ بسكرة الغياب
بغربتي
على أرصفة شوارع الظالمين بسكرة
المنفى
و مازلتُ أتوجعُ ألماً بحالتي
الميؤوس منها
و ببؤس القصيدة و سقوطها
في الهزيمة
رجلٌ في سكرة المنفى
يتزمر بلوعة الفراق
يكتب قصيدتهُ الكئيبة العبثية
معزولة العنوان
على ضمير الحجر من ضجر
الوقت و مرها
فهذه هي تلك القصيدة
الساقطة
و هذا هو ذاك الشاعر الفاشل
السكران بسكرة
الأيام
فالهروب لعنة .......... الخاسرين
مصطفى محمد كبار
24\10\2021
تعليقات
إرسال تعليق